صندوق شهر ديسمبر

كان ديسمبر ينادي الأشياء ليبث فيها روح ويجدد لونها ويرسلها في طريقي لتحثني على عيش المعتاد بطريقة غير معتادة، فأراها ترقص رقصة تغري لأسلك الطريق غير المعبد، ثم تدور حول السهل سبع دورات وتلقي تعويذتها لكي أحجم عن اختياره، وتردد: “عزيزتي عيشي الحياة بدهشتها وعدم يقينها، تحرري واقفزي من فوق السياج نحو الأراضي الواسعة الوافرة بالخيرات”. لتصنع تلك المسرحية تأثيرات متعددة لم أكن لأدركها لولا النظر إلى الوراء، ففي هذا الشهر بدلا من ممارسة الرياضة في المنزل في منطقة راحتي كما اعتدت قررت الاشتراك بالنادي وكانت الرسوم هدية عيد ميلادي، كما أنني اشتريت جهاز جوال جديد بنظام مختلف عن الذي كنت استخدمه طوال عمري، اقتنيت ابريق الموكا بوت جربت صنع القهوة فيه، واستمتعت بمذاقها الذي كان مختلفًا، كما جربت التشافي بالفن لأول مرة مع نوف حكيم وكانت تجربة محررة. وكما يليق بآخر شهر في السنة تصفحت الصور والدفاتر والأوراق وعدت بالذاكرة لبداية العام وصولا إلى آخر يوم فيه لأعطي وصفا أو اسما لهذه السنة، فأرى أنها سنة الصقل والتشذيب بدأتها بشغف ورغبة وحماس للتدريب لدى دار نشر وترجمة لكن لسبب ما أو لأسباب كثيرة لم أكمل التدريب، ثم ظهرت لي فرصة كانت مثل النور في نهاية النفق بيد أنها كانت مجرد نجم سرعان ما خفت واختفى، سقطت لفترة وبعدها بدأت رحلة الاحتواء تصحيح المسار والتعلم والتطور والتشافي، ثم في الربع الأخير من السنة حصلت على وظيفة حملت لي الكثير من الدروس والمهارات، وما زلت أتعلم وممتنة لكل ما حدث في سنة 2023، وأنوي أن أعيش المستقبل بلطف ورضا، واستمتع ببهاء أيامه وألوانها وصخبها وهدوئها ودهشتها وعظمتها وسحرها ومغامراتها.

أتمنى لكم عاما عامرًا بالاطمئنان أن أهدافكم ستتحقق، وأن بهجة أيامكم ستدوم، وأن العافية لن تغادر أجسادكم، وأن الجميع سيكون بأمان وفي حفظ الله.

كتاب تفصيل ثانوي عدنية شبلي

تحكي الرواية عن الجرائم الصغيرة التي ترتكبها القوات الإسرائيلية منذ عقود والتي لا تكاد تذكر ولا تحكى فقط تنسى ويتجاهلها الجميع جرائم القتل والاغتصاب للنساء.  تنقسم الرواية إلى زمنين الماضي وهو زمن حدوث الجريمة، والحاضر وهو زمن البحث وراء تلك الجريمة رغبة في الكشف عن الحقيقة لإحقاق الحق. تبدأ الرواية بسرد ممل بتفاصيل دقيقة عن مجموعة جنود إسرائيليين في معسكرهم على الحدود الفلسطينية المصرية، هدفهم التطهر العرقي والقضاء على العرب والبدو المقيمين في تلك المنطقة، وفي أحد الأيام يجرون فتاة بدوية باكية بعد أن تم قتل أهلها ملتفة في ملابسها السوداء بجوار كلبها إلى معسكرهم، ثم اغتصابها وقتلها بطريقة وحشية. أما النصف الثاني فيبدأ بتصوير فتاة تقرأ عن تلك الحادثة بعد نصف قرن فيلفتها أن تاريخ وقوع الحادثة يوافق تاريخ ميلادها الذي كان قبل 25 عامًا فتقرر زيارة موقع الجريمة والبحث عنها أكثر. رغم مرور كل تلك السنوات التي تفصل بين الامرأتين والظروف والأحوال إلا أن الماضي هو امتداد للحاضر فمجرد وجودهما بهوية فلسطينية حتى وإن كانتا في دولتهما كفيل بإنهاء حياتهما تحت أي سبب أو مبرر.. أبدعت الكاتبة الفلسطينية عدنية في خلق رواية قصيرة ذات مئة وخمسة صفحات إلا أنها كانت كفيلة بنقل رسائل عميقة وقوية في جمل بسيطة ومختصرة، مثل شكل الحياة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال المليئة بالحواجز والقيود التي لا تنتهي بل تزداد يوما بعد يوم ، المحفوفة بأصوات المدافع والمتفجرات والمروحيات، والتي أصبح أبسط شيء فيها وأكثره شرعية لأي انسان كابوس وخطر وقهر، يظهر ذلك في تحويل الأمور الروتينية من قبيل الذهاب إلى العمل مسألة حياة أو موت.

فيلم 1917

يحكي الفيلم عن جنديان شابان بريطانيان خلال الحرب العالمية الأولى يحاولان نقل رسالة إلى قائد الكتيبة المتمركزة على خط المواجهة لإيقاف عملية الهجوم التي يخططون شنها على الألمان الذين انسحبوا، تلك المهمة المحفوفة بالمخاطر واحتمالية الفشل قد تنقذ حياة الكثير، لم يركز الفيلم أبدا على نشوء الحرب وأسبابها وتفاصيلها ومن انتصر ومن هزم، فهو ليس فيلم عن الحرب بقدر ما هو فيلم يحكي ما يعيشه الأفراد خلال الحرب، بما أنه مستوحى من القصص التي سمعها المخرج سام مينديز من جده الذي خدم في الحرب العالمية الأولى. طريقة تصوير الفيلم تشدك من أول لقطة وتجعلك تشعر بأنك تراهم رأي العين، وتستطيع ملاحظة ما يلاحظه الجنديان، فتكون أحيانا خلفهم أو بجانبهم، تزحف وتسقط وتسبح، فتشعر أنك قريب من الحدث لدرجة تجعلك تحبس أنفاسك. فيلم رائع بقصته وتصويره ورسائله. عندما تشاهد الأراضي التي مرت بها المعارك ما بين جثث وقبور ومواشي قتلت، وأشجار تم اقتلاعها من مكانها، وجسور هدمت، وبيوت وقلاع تساوت بالأرض تدرك مدى الدمار الذي يحل مع الحروب والذي لا يقتصر فقط على الأفراد صغيرهم وكبيرهم، بل يطول الأراضي والمواشي وكل ظواهر الحياة الطبيعية. إلا أنه رغم الدمار يجب أن نتذكر أن شجرة الكرز المقطوعة ستعود لتنمو من جديد وستزهر أكثر من ذي قبل.

وصفة توست باللبنة وخلطة الرمان

من المدهش أن يقودك مقال فلسفي حياتي مهلم إلى وصفة لذيذة، هذا ما حدث عندما قرأت مقال بعنوان (خطة مستقبلية مضمونة) للكاتبة هاجر حسين على منصة قوثاما، سأكتب لكم بعض من الاقتباسات التي ستحمسكم حتما لقراءة المقال:

 “وحقيقة الأمر أن تلك الحرية ما هي إلا وهم، نعم أنت تملك خيارات عديدة متاحة لك لكن عاجز عن اختيار أحدها، لا زلت تحت سيطرة آراء مجتمعك، وتوقعات أفراد عائلتك، ونفسك اللوامة التي تضعك في مقارنة عقيمة مع من حولك”.

“نحن كأشخاص اليوم حصيلة تجاربنا الناجحة والفاشلة لحظاتنا السعيدة والحزينة معاركنا المنتصرة والمهزومة وما نمر به اليوم من مشاعر شك وعدم يقين أو ما أختصر بمصطلح “أزمة منتصف العمر”.

أما هذا المقطع فقد جعلني اتصالح مع ما حدث سابقا وأقرر تبني هذه الفكرة: “المعركة قائمة لا محالة كغيرها من معارك الحياة ومفتاح خروجك منها منتصرًا هو أن تسمح لنفسك بانتهاز الفرص دون التفكير في النتيجة وأن تخرج نفسك من الإطارات العديدة التي وضعت حولك دون أن تشعر، أنت لست مسؤولًا عن اتجاه القدر لكنك مسؤول عن ردة فعلك تجاه المسارات الجديدة والتغيرات المفاجئة.”

ثم انتقلت مباشرة إلى حساب الجميلة هاجر لأجد هذه الوصفة في أول بوست في صفحتها، فأقرر تجربتها مع سابق يقين أنها ستعجبني مثلما أعجبني المقال. نأتي للوصفة البسيطة جدا، نحتاج إلى توست مدهون بلبنة كطبقة أولى، ثم نصنع الخلطة التي ستكون الطبقة الثانية والتي تتكون من رمان- زيتون أخضر حار – عين الجمل- زعتر – دبس رمان – زيت زيتون)

قصائد الشاعر محمد محمد الشهاوي

وفي النهاية نختم بواحدة من أجمل القصائد التي عرفتها وسمعتها للشاعر المصري محمد محمد الشهاوي، التي قادتني إلى التعرف على هذا الشاعر العظيم.

قصيدة “الخروج إلى المُطلق”
اخرُجْ مِن ذاتِك تظهَرْ .. وابعد عن نفسِك تَكبُرْ
وتَخَطَّ الحَدَّ الفاصِل .. ما بين العَرَضِ وبين الجوهر
فإذا ما اجتزتَ الهُوَّة .. واتحدت فيك القوَّة
واتَّسَقَ المَخبَرُ والمَظهَر .. فهنالك أرضُك تُثمِرْ
وسماؤك ليلاً أبدًا تُقمِرْ .. وهنالك تأتيك جميعُ الاسماءْ
وهنالك يصفو النبعُ ويحلو الماءْ .. وتداعبُ كفُّ الخُضرةِ وَجْهَ الصحراءْ
وهنالك لا تُغلَبُ او تُقْهَرْ .. اخرُجْ مِن ذاتِك تظهَرْ
اخرجْ من ذاتِكَ فالذاتُ نقاب والليل القابِعُ فى جَنْبَيكَ حجاب
ولكى لا تبقى محجوبا ، ولكى لا تَحْيَا مغلوبا
لا تستسلمْ لِظلامٍ يطويك ، واستَجْلِ النورَ الكامِنَ فيك
واستنفِرْ أبهى طاقاتِك .. فسجونُ العالمِ ، كلِّ العالمِ لا شيء
إنْ لم تَسجُنْ ذاتَك فى ذاتِك .. إنْ لم تُسجَنْ ذاتُك فى ذاتِك
اخرجْ مِن ذاتِك سِرّاً أو جَهْرا .. ولتبدأْ رحلتَك الكُبرى
فإذا ما وَقَفَ الناسُ جميعًا صفّا ، ووَقَفْتَ إمامًا لِلمَسْرَى
ودَعَوك السَّيِّدَ فلْتَهْتِفْ: لا ومعاذ اللهْ! .. فالسَّيّدُ مَن خلقَ ومَن أعطى
وتَفَرَّدَ بالسُّلطِةِ والجَاهْ .. السيّدُ من عَلَّمَ آدمَ كلَّ الأسماءْ
وهدانا للعِزَّةِ والخيرِ جميعًا دونَ استثناءْ
السيّدُ من أنْبَأنا أنّ الناسَ سَواءْ .. لا يَفضُلُ أبيضُ أسوَدَ أو أسوَدُ أبيضَ إلا بالتقوى
السيّدُ من قال لِكلِّ قَوِيٍّ: إنّي الأقوَى ! السيّدُ يا قومْ .. مَن لم تَأخذْهُ سِنَةٌ أو نومْ
من لم يَغْفَلْ في يومْ ، أو يُغفِلْ لضعيفٍ شَكْوَى
السيّدُ مولانا وحِمَانا ، إن لم نكُ يا قومُ نراهُ ..فَهْوَ يَرَانا
إن قلتُمْ: كيف الدَّرْبُ إليه تعالى؟ قال لِكلٍّ منّا: خَلِّ النَّفْسَ بعيدًا وتعالَ
لا تَزْعُمْ أنّك جِرْمٌ محدودٌ .. لا تَزْعُمْ .. والعالمُ مَطْوِيٌّ فيك ، وكلُّ الأسرارْ
لا تَزْعُمْ أنّكَ أبدًا مُرْغَمْ .. وأنا سَوَّيتُك ذا عقلٍ يختارْ
الدرب طويل يا أحباب .. الدرب طويل .. والحمل ثقيل يا أحباب .. الحمل ثقيل
لكن من يزرع يحصد ، فليغرس كل منا داخله شجرة توحيده
وليدفع عن صرح وجوده ، وليعلم أن الله إليه أقرب من حبل وريده
الأول والآخر والظاهر والباطن يدعوكم فلتستمعوا، الملك الحق الحكم العدل المنتقم
الجبار يُعلمكم فلتتبعوا، وامتثلوا لرضاه ، وائتمروا بهداه
فهو الحي القيوم والمحروم المحروم
من يطرق باب سواه
الله الله الله

للاستمتاع والاستماع بصوت الشاعر: هنا

أضف تعليق